کتب
الإِسْلَامُ .. وَالْعَصْرُ الْحَدِيثُ
"الْعَلَّامَةُ وَحِيدُ الدِّينِ خَان"
الْمُفَكِّرُ الْإِسْلَامِيُّ الْهِنْدِيُّ الْعَلَّامَةُ وَحِيدُ الدِّينِ خَان، لَيْسَ فِي حَاجَةٍ إِلَى التَّعْرِيفِ بِهِ، فَهُوَ الَّذِي قَدَّمَ لِلْمَكْتَبَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ قَبْلُ: الْإِسْلَامُ يَتَحَدَّى، الدِّينُ فِي مُوَاجَهَةِ الْعِلْمِ، حِكْمَةُ الدِّينِ .. وَهُوَ لَيْسَ كَكَثِيرٍ مِنْ كُتَّابِنَا الْإِسْلَامِيِّينَ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ فَحَسْبُ .. الْقُدْرَةَ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَفِي اسْتِطَاعَتِهِمْ أَنْ يُسَوِّدُوا آلَافَ الصَّفَحَاتِ لِيُحَوِّلُوهَا إِلَى عَشَرَاتِ الْكُتُبِ تُتْخِمُ بِهَا الْمَكْتَبَاتُ دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهَا صَدًى فِي نُفُوسِنَا، أَوْ تَأْثِيرٌ فِي تَفْكِيرِ شَبَابِنَا الْمُسْلِمِ الْمُتَعَطِّشِ إِلَى الْفِكْرِ الْإِسْلَامِيِّ الْجَادِّ ... وَإِنَّمَا مُفَكِّرُنَا الْإِسْلَامِيُّ الْكَبِيرُ مِنَ الْكُتَّابِ الْقَلَائِلِ، الَّذِينَ يُعَدُّونَ عَلَى الْأَصَابِعِ، وَالَّذِينَ قَدِ اشْتَقُّوا لِأَنْفُسِهِمْ طَرِيقًا وَعْرًا، لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّفْكِيرِ لَا الْقُدْرَةَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَحْدَهَا .. هَذَا الطَّرِيقُ الْوَعْرُ هُوَ طَرِيقُ الْمُوَاجَهَةِ بِالْإِسْلَامِ ضِدَّ التَّحَدِّيَاتِ الَّتِي تَهُبُّ عَلَيْهِ مِنْ دَاخِلِهِ وَمِنْ خَارِجِهِ عَلَى السَّوَاءِ..
إِنَّ صَفَحَاتِ الْكِتَابِ لَمْ تَتَجَاوَزِ السِّتِّينَ صَفْحَةً، قَدْ يَقْرَؤُهُ الْقَارِئُ الْعَادِيُّ فِي أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ، لَكِنَّ الْقَارِئَ الْمُثَقَّفَ لَا يَسْتَوْعِبُهُ إِلَّا فِي بُضْعَةِ أَيَّامٍ، لِأَنَّ الْكِتَابَ عَلَى تَوَاضُعِهِ مِنْ حَيْثُ الْكَمِّ، يَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ عَمِيقٍ مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِ، لِأَنَّهُ يُنَاقِشُ قَضَايَا عَلَى جَانِبٍ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ، هَذِهِ الْقَضَايَا، هِيَ: الثَّوْرَةُ الْفِكْرِيَّةُ قَبْلَ الثَّوْرَةِ التَّشْرِيعِيَّةِ - حِوَارٌ مَعَ الْمُتَغَرِّبِينَ - إِمْكَانِيَّاتٌ لَمْ يُسْتَخْدَمْهَا الْعَالَمُ الْإِسْلَامِيُّ - الْإِيمَانُ وَالْحَرَكَةُ الْإِيمَانِيَّةُ - ثُمَّ نَحْوَ بَعْثٍ جَدِيدٍ .. وَمِثْلُ هَذِهِ الْقَضَايَا قَدْ بُحِثَتْ مِنْ قَبْلُ وَنُوقِشَتْ، لَكِنَّ الْجَدِيدَ فِيهَا هُنَا هُوَ مَنْهَجُ الْكَاتِبِ الْمُفَكِّرِ، الْمَنْهَجُ الْمَوْضُوعِيُّ الْمُجَرَّدُ، الْقَائِمُ عَلَى الْمَنْطِقِ الْوَاعِي لَا عَلَى الْعَاطِفَةِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي تُشَكِّلُ عَقْلِيَّاتِ كَثِيرٍ مِنْ كُتَّابِنَا الْإِسْلَامِيِّينَ الْإِقْلِيمِيِّينَ فِي تَفْكِيرِهِمُ الْمَحْدُودِ.
فَالْمُفَكِّرُ الْإِسْلَامِيُّ الْكَبِيرُ فِي بَحْثِهِ، لَا يَعْكُفُ عَلَى النُّصُوصِ الدِّينِيَّةِ الْمُيَسَّرَةِ لَهُ، لِيَعْتَمِدَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا مُجَرَّدَةً فِي مُنَاقَشَةِ الْقَضَايَا، بَلْ يُتَابِعُ مَسَارَ الْحَرَكَةِ الْفِكْرِيَّةِ الْحَدِيثَةِ فِي الْعَالَمِ، وَلَا سِيَّمَا الْمُعَارِضِ مِنْهَا لِلْفِكْرِ الْإِسْلَامِيِّ، فَيَكْشِفُ عَنْ قُصُورِهَا بِنَفْسِ الْمَقَايِيسِ الْمَنْهَجِيَّةِ عِنْدَ أَصْحَابِهَا، وَبِذَلِكَ يَسْتَطِيعُ الْمُفَكِّرُ الْكَبِيرُ أَنْ يُفْسِحَ مَكَانًا لِلْفِكْرِ الْإِسْلَامِيِّ عَلَى مُسْتَوَى الْإِنْسَانِيَّةِ الْعَامَّةِ ..
.. وَبَعْدُ، فَإِنَّ الدِّرَاسَةَ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا الإِسْلَامُ وَالْعَصْرُ الْحَدِيثُ، وَالَّتِي قَامَتْ بِنَشْرِهَا دَارُ .. الْمُخْتَارِ الْإِسْلَامِيِّ بِالْقَاهِرَةِ .. دِرَاسَةٌ جَادَّةٌ بِكُلِّ مَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ مَعْنًى، تَجْعَلُنَا نَزْدَادُ اقْتِنَاعًا بِأَنَّ الْمُفَكِّرَ الْمُسْلِمَ الْعَلَّامَةَ وَحِيدَ الدِّينِ خَان يَتَمَيَّزُ بِأَنَّهُ كَاتِبٌ يُخَطِّطُ لِمَا يَكْتُبُ، وَيَرْسُمُ الْمَنْهَجَ لِمَا يُفَكِّرُ، لِيَصِلَ إِلَى النَّتِيجَةِ الَّتِي يَبْتَغِيهَا، وَالنَّتِيجَةُ عِنْدَهُ ذَاتُ شُعَبٍ ثَلَاثٍ:
١- مُوَاجَهَةُ الْأَفْكَارِ الَّتِي تَتَحَدَّى الْإِسْلَامَ وَتَتَرَبَّصُ بِهِ.
٢- الضَّرْبُ عَلَى الْأَفْكَارِ الدَّخِيلَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ، الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا الْإِسْلَامُ عَلَى فَتَرَاتٍ مِنَ الْغَفْلَةِ.
٣- صِيَاغَةُ الْفِكْرِ الْإِسْلَامِيِّ صِيَاغَةً جَدِيدَةً، تَجْعَلُهُ جَدِيرًا بِأَنْ يَحْتَلَّ الْمَكَانَ اللَّائِقَ بِهِ، وَجَدِيرَةً أَيْضًا بِأَنْ تُمَثِّلَ الْإِسْلَامَ الصَّحِيحَ الَّذِي رَضِيَهُ اللَّهُ لِلْعِبَادِ دِينًا ...
مَجَلَّةُ الْإِذَاعَةِ وَالتِّلِفِزْيُونِ (الْقَاهِرَة) ١٧ / ٦ /